بسم الله الرحمن الرحیم
ام البنین زوجة امیرالمؤمنین علیهم السلام
تعریفها
ام البنین و هی فاطمه بنت الکلابیه زوجة امیر المؤمنین علی بن ابی طالب علیه السلامر
تزوّج الإمام علی (علیه السلام) بـ (أم البنین) حیث عرّفها له أخوه عقیل کما فی قصة مشهورة(4)، وبعد علی (علیه السلام) لم تتزوّج أم البنین (سلام الله علیها) بأحد، مع أنه کان من المتعارف فی الإسلام زواج من مات زوجها بإنسان آخر.
فکانت أم البنین (سلام الله علیها) قد بلغت درجة من الفضل والکمال حیث رضی أمیر المؤمنین (علیه السلام) بخلقها ودینها، فأقدم على الزواج منها.. أما العکس فهو أوضح من أن یذکر.
وکانت أم البنین (سلام الله علیها) فی غایة الأدب والأخلاق، فقد قالت لعلی أمیر المؤمنین (علیه السلام)، لا تسمنی فاطمة!، لأن الحسن والحسین وزینب وام کلثوم (علیهم السلام) یتذکرون أمهم ویتأثرون بذلک، ولذا سمّاها (علیه السلام) بـ (أم البنین) ـ على ما هی العادة عند العرب من الکنیة ـ لا باعتبار الانطباق الخارجی، بل باعتبار الانتخاب، والله سبحانه رزقها أربعة أولاد (مثل بدور الدجى) فصاروا مفخرة البشریة إلى یوم القیامة.
أم البنین(ع) والکوفة
وهل کانت أم البنین مع الإمام (علیه السلام) فی الکوفة إلى حین استشهاده؟.
لا نعرف ذلک..
وربما یقال: إنها لم تکن مع الإمام (علیه السلام)(1) وإلا لحدثنا التاریخ به، فعدم الوجدان ـ فی هکذا موارد ـ دلیل على عدم الوجود.
فإذا لم تکن معه (علیه السلام) فما هو السر فی ذلک، ولماذا لم یُحضرها الإمام (علیه السلام) معه؟ مع أنه قد اصطحب بعض أولادها کما ذکره التاریخ، فهل بقیت لتبقى دار الإمام ـ بحضورها ـ مدرسة لتعلیم البنات وتربیة النساء..؟
لا شک أن بیت الإمام (علیه السلام) کانت بحضورها کذلک.
ومن الواضح أنه لم یذکر دور أم البنین (علیها السلام) وعملها بعد قصة کربلاء بالشکل الکامل، نعم إنما ذکر بکاؤها وندبتها(2)على أوجز وجه.
أولادها
کان أولادها الأبطال أبناء أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقد استشهدوا جمیعاً فی نصرة أخیهم الإمام الحسین (علیه السلام) فی کربلاء یوم عاشوراء.
أکبرهم وأفضلهم: (العباس) (علیه السلام) ویکنّى بـ (أبی الفضل) وهو آخر من قتل من الأربعة، حیث قدَّمهم بین یدیه فقتلوا جمیعاً.
وقد کان للعباس (علیه السلام)عقب ولم یکن لأخوته الثلاثة، وکان رجلاً جمیلاً حتى لقّب بـ (قمر بنی هاشم).. وکان شجاعاً جسیماً بحیث یرکب الفرس المطهّم ورجلاه تخطان الأرض خطاً، وکان لواء الإمام الحسین (علیه السلام) معه یوم استُشهد، ولقِّب بـ (السقّاء) لأنه استسقى الماء من الأعداء لأخیه الحسین (علیه السلام) وعائلته ولکن قُتل قبل أن یوصل الماء إلیهم، وکان قد جاء بالماء من نهر علقمة، وقد رأیت أنا هذا النهر قبل نصف قرن فی طریق بغداد مبتعداً عن کربلاء بمقدار نصف فرسخ، کذا قالوا بأنه نفس ذلک النهر.
وقد ذکر أصحاب المقاتل شیئا عن بطولة أولاد أم البنین ومواساتهم للإمام الحسین (علیه السلام) وکیفیة استشهادهم، فقالوا:
إنه لما رأى العباس (علیه السلام) کثرة القتلى فی أهله وفی أصحاب الحسین(علیه السلام) ـ بالنسبة إلى عددهم القلیل ـ قال لأخوته الثلاثة من أبیه وأمه،عبد الله وجعفر وعثمان:
«یا بنی أمی تقدموا للقتال، بنفسی أنتم، فحاموا عن سیدکم حتى تستشهدوا دونه، وقد نصحتم لله ولرسوله» (1).
فقاتل عبد الله وعمره خمس وعشرون سنة فقتل بعد قتال شدید.
ثم تقدم جعفر بن علی (علیه السلام) وعمره تسع عشرة سنة وقاتل قتال الأبطال حتى قتل.
ثم تقدم عثمان بن علی (علیه السلام) وعمره إحدى وعشرون سنة وقاتل قتالاً شدیداً حتى قتل.
وکان الإمام الحسین (علیه السلام) یحملهم من أرض المعرکة إلى الخیمة کما جرت العادة فی ذلک الیوم، ولکنه (علیه السلام) لم ینقل العباس (علیه السلام) وترکه فی مصرعه حیث ضریحه الآن، وذلک لأسباب مذکورة فی مظانها.
وکان کل واحد من أولاد أم البنین یرتجز عند القتال بما هو مذکور فی کتب المقاتل(2).
ولما وصل خبر استشهادهم إلى أمهم ـ أم البنین ـ فی المدینة المنورة بکتهم بکاءً مرّاً، لکن کان بکاؤها لهم أقل من بکائها على الحسین(علیه السلام) وذلک فی قصة مشهورة.
وهذا الموقف المشرف من السیدة أم البنین (علیها السلام) یدلّ على علوّ معرفتها بالإمام (علیه السلام)..
1 - انظر (الحسین(علیه السلام) قتیل العبرة) مقتل الشیخ عبد الزهراء الکعبی، ص106، و(مقتل السید المقرم) و(اللهوف فی قتلى الطفوف) و…
1- راجع تذکرة الخواص: ص168 وکشف الغمة: ج1ص442.
2 - حیث قالت وهی ترثی أولادها:
لا تدعونیّ ویکِ أم البنین******تذکّرینی بلیوث العرین
کانت بنون لی أدعى بهم********والیوم أصبحت ولا من بنین
أربعةٌ مثل نسور الربى*********قد واصلوا الموت بقطع الوتین
انظر مقتل الإمام الحسین (علیه السلام) للخوارزمی: ج2 ص209، مقاتل الطالبیین: 85.
3 - راجع موسوعة الفقه کتاب (من فقه الزهراء (علیها السلام)): ج1ـ2.
أم البنین (ع) و واقعة کربلاء
وفی قصة کربلاء وقضیة عاشوراء التاریخیة قدمت ام البنین (علیها السلام) الى الله عزوجل أولادها الأربع، حیث استشهدوا بین یدی أبی عبد الله الحسین (علیه السلام).
أما هی بنفسها (سلام الله علیها) فلماذا لم تأت إلى کربلاء؟
لم یذکر التاریخ السبب فی ذلک ـ حسب التتبع الناقص ـ، فلعلها کانت مریضة ـ کما حکی عن فاطمة الصغرى(1) ـ أو مشتغلة برعایة أولاد بنیها، أو غیر ذلک مما علمه عند الله سبحانه.
1 - هی بنت الإمام الحسین (علیه السلام) وکانت مریضة عند خروجه من المدینة المنورة فبقیت هناک.
وفاتها:لا نعلم شیئاً عن سبب وفاة السیدة أم البنین (علیها السلام)، مع العلم بأنها کانت تفضح بنی أمیة الذین قتلوا الإمام الحسین (علیه السلام)..
زیارة قبرها
زیارة قبر أم البنین (سلام الله علیها) لها أجر وثواب عظیم فإن زیارة قبور المؤمنین والمؤمنات لها ثواب کثیر، وقد ورد التأکید على ذلک فی الروایات(1)، فکیف بزیارة مثل قبرها.
وهی (علیها السلام) فی المدینة المنورة فی البقیع، ویلزم على المسلمین بناء قبور أئمة البقیع وقبور هؤلاء الصالحین والصالحات بأحسن ما یمکن ویناسب مقامهم العالی.
ومن الواضح أن تراب قبرها الطاهر له الأثر الخاص، طبعاً لاکأثر تراب قبور الأئمة المعصومین والأنبیاء (علیهم الصلاة والسلام)، فإن مجرّد کونه تراباً لمثل قبرها له حیثیة رفیعة کما هو واضح.
الکرامة الإلهیة
ورد فی الحدیث القدسی:(عبدی أطعنی أجعلْک مثلی أنا أقول للشیء کن فیکون، أطعنی فیما امرتک تقول للشیء کن فیکون)(1).
ومن هنا تنشأ معجزات الأنبیاء وکرامات الأولیاء(علیه السلام) ، والفرق بینهما أن الأولى على سبیل التحدی، بخلاف الثانیة فإنها على سبیل إظهار فضل الولیّ أو ما أشبه.
وأم البنین (سلام الله علیها) صاحبة الکرامات الکثیرة التی نقلت عنها متواتراً وشوهدت کذلک، وذلک بالنذر أو التوسل بها لتشفع عند الله .. بإهداء ختمة أو قراءة القرآن الکریم لها أو ما أشبه.
وقد سمعت طیلة حیاتی کثیراً من کراماتها المتواترة ولا یسع المقام لبیانها.
طریق الآخرة
إن ما یمکننا مما یرتبط بالسیدة أم البنین (علیها السلام) کعمارة قبرها، ونشر فضائلها، والنذر من أجلها، وزیارتها، وإهداء قراءة القرآن والصلاة وسائر المقرّبات لها، والتأسّی بها، والإهتمام بشؤونها فی کل الأبعاد، کلها مما یوجب الحصول على ثواب الآخرة الذی لازوال له ولا اضمحلال، إذا عمل بها الإنسان خالصاً لله وللدار الآخرة، بالإضافة إلى الحصول على ما یترتب علیها من الآثار الوضعیة کاستجابة الدعاء وما أشبه.
إحیاء الذکرى
قال الإمام الصادق (علیه السلام): (أحیوا أمرنا رحم الله من أحیا أمرنا)(1).
إن إحیاء ذکرى أم البنین (علیها السلام) وذکرى المعصومین (علیهم السلام) وذویهم ومن إلیهم، کالعلماء والصالحین والصالحات، من أهم ما یلزم، وذلک لأجل تنظیم الحیاة تنظیماً صحیحاً یوجب سعادة الإنسان فی دنیاه وآخرته.
وفی الختام نسأل الله سبحانه أن یوفقنا للتأسی بهؤلاء الأطهار (علیهم أفضل الصلاة والسلام) فی مختلف الأمور الدینیة والدنیویة، قال تعالى: « لقد کان لکم فی رسول الله أسوة حسنة » (سورة الأحزاب: 21)، فان قاعدة التأسی تجری فیه (صلى الله علیه وآله وسلم) ، وهکذا فی أهل بیته ومن یتعلق بهم من الأولیاء الصالحین.
وهذا آخر ما أردنا إیراده فی هذا الکتاب، والله الموفق للصواب.
سبحان ربِّک ربّ العزة عما یصفون، وسلام على المرسلین، والحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرین.
ملخص من کتاب«ام البنین»لمحمد الشیرازی
لیست کل یادداشت های این وبلاگ